موريتانيا.. ملف الحوار السياسي يعود للواجهة وسط تذمر حزبي

من جديد، عادت قضية الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة في موريتانيا للواجهة، وسط تذمر عدد من أحزاب المعارضة التي طالبت مرارا بتنظيم حوار مع الحكومة يهدف إلى عدم إقصائها من التعيينات والمناصب العليا، وبعض الشؤون العامة.

2021-08-18 09:21:43
Istanbul

نواكشوط / محمد البكاي / الأناضول- أحزاب المعارضة تأمل أن يفضي تنظيم حوار إلى حلحلة عدة ملفات وإشراكها في تسيير البلد بعد سنوات الإقصاء

- محلل سياسي يرى أن بعض المقربين من الرئيس هم من يقفون وراء تأخر إطلاق حوار سياسي مع المعارضة

من جديد، عادت قضية الحوار السياسي بين السلطة والمعارضة في موريتانيا للواجهة، وسط تذمر عدد من أحزاب المعارضة التي طالبت مرارا بتنظيم حوار مع الحكومة يهدف إلى عدم إقصائها من التعيينات والمناصب العليا، وبعض الشؤون العامة.

وفي 30 يناير/كانون ثان الماضي، قال رئيس الوزراء محمد ولد بلال، إن حكومته لا تمانع انعقاد حوار سياسي مع المعارضة، وربط ذلك بتوفر "الظروف المواتية".

وبعد ذلك بنحو شهر تقريبا، أعلنت "منسقية الأحزاب الممثلة في البرلمان" (تضم 12 أحزابا من المعارضة والموالاة) في وثيقة لها، طرح خارطة طريق لتنظيم حوار سياسي مع الحكومة.

ووفق تلك الوثيقة، فإن مواضيع الحوار يجب أن تركز على "المسار الديمقراطي، والإصلاحات الدستورية والتشريعية، وتعزيز دولة القانون، وتطبيع الحياة السياسية، ومعالجة إشكالية الرق ومخلفاته، ومكافحة الفساد، وإصلاح القضاء، والإصلاح الإداري والعقاري، وحماية المصالح العليا للبلد".

لكن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني استبعد في مقابلة مع قناة "فرانس24" الفرنسية يوم 29 يوليو/تموز الماضي إجراء أي حوار سياسي مع المعارضة، مؤكدا أنه "عندما نتحدث عن الحوار الوطني، فإننا نميل إلى الاعتقاد بأننا في خضم أزمة، وهذا ليس هو الحال في موريتانيا".

وفي المقابل، أشار ولد الشيخ الغزواني إلى أنه "من الممكن أن تكون هناك رؤى وبرامج مختلفة وأن نستمع معا إلى بعضنا البعض بدلا من الحوار"، مضيفا أنه "سيتم إجراء مباحثات، ونأمل أن تؤدي إلى استنتاجات وخلاصات إيجابية، ولن يكون هناك أي تعقيد في تنفيذها".

لكن رئيس حزب "اتحاد قوى التقدم" (معارض) محمد ولد مولود، قال في تصريح صحفي يوم 4 أغسطس/آب الجاري، إن الرئيس ولد الغزواني أكد له خلال لقاء جمعهما أنه سيعطي إشارة انطلاق "تشاور" وطني خلال أيام.

وأشار إلى أنه بحث مع ولد الغزواني الطريقة التي يمكن أن ينظم بها تشاور، يتم خلاله نقاش كل المواضيع ويفتح أمام جميع الأطراف السياسية.

التفاعلات مع ملف الحوار السياسي بموريتانيا، لم تقف عند هذا الحد، ولكن يوم الإثنين، دعت 3 أحزاب معارضة رئيس البلاد إلى اتخاذ "إجراءات عاجلة وفورية للقضاء على كل أشكال الإقصاء والتهميش في السياسيات الحكومية (في إشارة لعدم التشاور مع الأحزاب بتلك السياسات)".

وشددت الأحزاب الثلاثة وهي "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" و"التحالف الشعبي التقدمي" وحزب "المستقبل"، في بيان مشترك على هامش مؤتمر صحفي، على ضرورة "إدراك حجم المخاطر التي تحدق بالبلاد"، والتصدي لـ"الرشوة والفساد وتخفيف معاناة المواطنين ورقابة أسعار السلع الأساسية".

وخلال المؤتمر ذاته، قال رئيس حزب "التحالف الشعبي التقدمي" مسعود ولد بلخير، إن البلد يعيش "أزمة مستحكمة ولا بديل عن الحوار لحل مشاكل موريتانيا".

** من يعرقل الحوار

المحلل السياسي، أحمد سالم ولد يب خوي، رأى أن بعض المقربين من الرئيس ولد الغزواني هم من يقفون وراء تأخر إطلاق أي حوار سياسي مع المعارضة.

وأضاف في حديثه للأناضول: "رغم موافقته (الرئيس) على مبدأ الحوار، حتى قبل وصوله للسلطة إلا أنه سرعان ما تراجع عن ذلك، وهو ما يؤكد وجود مجموعة قوية داخل النظام تدفع به نحو رفض الحوار".

وتأمل أحزاب المعارضة أن يفضي تنظيم حوار سياسي إلى حلحلة عدد من الملفات وإشراكها في تسيير البلد بعد سنوات من الإقصاء طيلة فترة حكم الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز (2009-2019).

المعارضة اتهمت ولد عبد العزيز بتزوير الانتخابات الرئاسية التي أجراها في 18 يونيو/حزيران 2009 وأفضت إلى فوزه بعد الانقلاب العسكري الذي قاده في البلاد وأطاح بالرئيس الأسبق معاوية ولد الطايع.

** تصعيد محتمل

ولفت "ولد يب خوي"، إلى أن تأجيل الحوار السياسي سبب تذمر بعض الأحزاب السياسية ومن بينها حزب "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" (أكبر أحزاب المعارضة).

ولم يستعبد أن تشهد الفترة المقبلة، تصعيدا سياسيا بين النظام وأحزاب سياسية معارضة على رأسها "التجمع الوطني للإصلاح والتنمية" و"التحالف الشعبي التقدمي".

وأشار إلى أن هذه الأحزاب وبعض الكتل السياسية الأخرى تصر على ضرورة إجراء حوار سياسي مع النظام يتم خلاله التطرق للقضايا الكبرى للبلد ومن بينها المسار الانتخابي وسبل تحسينه.

وأضاف: "ما دام الرئيس يرجح رأي الجناح الرافض لمبدأ الحوار مع المعارضة فإنني أعتقد أن بعض الأحزاب والكتل السياسية ستقود تصعيدا ضد النظام خلال الأشهر القادمة، وهو ما سينعكس سلبا على الأجواء العامة في البلد، والتي عرفت هدوء قل نظيره خلال السنتين المنصرمتين من حكم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني".

من جانبه، رأى المحلل السياسي سيد أحمد ولد باب، أن تأجيل الحوار السياسي حتى الآن "يعود لعدم قناعة الرئيس بجدية بعض الأطراف السياسية في البحث عن تهدئة الأوضاع، وإنما محاولة استغلال الحوار لفرض إملاءاتها كالشراكة في الحكومة وتنظيم انتخابات سابقة لأوانها".

وفي حديثه للأناضول، أضاف ولد باب: "هذه أشياء لا يريدها الرئيس ولد الغزواني بحكم تمتعه بأغلبية برلمانية واسعة داخل البرلمان".

وتابع: "لا أتوقع أن يكون هناك حوار سياسي في ظل الوضعية الحالية فالبلد يعيش ظروف جائحة كورونا، والرجل (الرئيس) مطمئن سياسيا لأن لديه أغلبية برلمانية، لكن ربما مع نهاية العام يكون هناك تشاور يفضي إلى إصلاحات حول القوانين المتعلقة بالانتخابات والشراكة السياسية".

ويمتلك حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، 89 مقعدا بالبرلمان من أصل 157، وهي أغلبية مريحة.

ومطلع أغسطس/آب 2019، بدأ ولد الغزواني ولاية رئاسية من 5 سنوات، إثر فوزه بنسبة 52 بالمئة في انتخابات أجريت في 22 يونيو من ذلك العام.

وبعد أشهر من انتخابه حرص الغزواني، على استقبال أغلب قادة الأحزاب المعارضة بمن فيهم رئيس حزب "التحالف الشعبي التقدمي" مسعود ولد بلخير، وأعقب ذلك هدوء سياسي استمر طيلة الفترة التي مضت من ولايته.

لكن بعض قادة الأحزاب السياسية أكدوا في تصريحات سابقة أن المهلة التي منحتها المعارضة لنظام الرئيس ولد الغزواني، كانت موضوعية وضرورية في بداية وصوله السلطة، لكنها طالت أكثر من اللازم، وأدت إلى تردي الأوضاع.