نزاع دارفور.. بدأ قبليًا فهل يعود قبليًا؟

بات للاقتتال والنزاع منحى آخر في إقليم دارفور السوداني (غرب) المثخن بجروح الحرب بين الحكومة المركزية في الخرطوم والحركات المسلحة المتمردة منذ عام 2003.

2021-04-22 11:14:27
Sudan

الخرطوم/ عادل عبد الرحيم/ الأناضول- بوادر على عودة الإقليم السوداني إلى سيرته الأولى، وهو الاقتتال القبلي على المراعي والمياه وأماكن الإقامة

- معظم الحركات المتمردة وقعت اتفاق سلام مع الخرطوم في 2020

 

بات للاقتتال والنزاع منحى آخر في إقليم دارفور السوداني (غرب) المثخن بجروح الحرب بين الحكومة المركزية في الخرطوم والحركات المسلحة المتمردة منذ عام 2003.

وفي 3 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وقعت الحكومة ومعظم الحركات المسلحة اتفاق سلام في جوبا، مما أسهم في إحلال هدوء نسبي في ولايات الإقليم الخمس، والبالغ مساحتها نحو ربع مساحة البلاد.

لكن النزاع القبلي صار هو السبب الرئيس للقتل والحرق والنزوح في الإقليم، لاسيما بعد أن توقفت العمليات العسكرية منذ 2016، بفضل وقف إطلاق نار أحادي من جانب الحكومات المتعاقبة في الخرطوم والحركات المسلحة في دارفور.

وفي 3 أبريل/نيسان الجاري، تجددت أحداث عنف، في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، بين قبيلتي "المساليت" (إفريقية) و"العرب"، ما أسقط 144 قتيلا و233 جريحا، وفق لجنة أطباء السودان المركزية (غير حكومية).

وجراء النزاع القبلي في الولاية، لجأ نحو 1860 شخصا إلى دولة تشاد المتاخمة، وتشرد حوالي 117 ألفا، منذ يناير/ كانون الثاني الماضي، وفق الأمم المتحدة.

ومن آن إلى آخر، تشهد مناطق عديدة في دارفور اقتتالا دمويا بين القبائل العربية والإفريقية، ضمن صراعات على الأرض والموارد ومسارات الرعي في إقليم يقطنه ما يزيد عن 8 ملايين نسمة من أصل حوالي 42 مليونا، بحسب تقدير غير رسمي.

** نزاع متجدد

حكومة الفترة الانتقالية الراهنة تحمّل نظام الرئيس المعزول، عمر البشير (1989-2019)، المسؤولية عن تأجيج الصراع القبلي الدموي، وتقول إنه عمل خلال حكمه على "زرع العنصرية بين أبناء الوطن الواحد". وهو ما ينفيه عادة منتمون إلى النظام السابق.

ووفق مراقبين، فإن هذه النزاعات المتجددة في دارفور تعود إلى الفراغ الأمني وانتهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي لحفظ السلام (يوناميد)، وفشل السلطات في نزع السلاح المتفلت، وتطبيق اتفاق السلام.

كما يرون أن أزمة دارفور المستمرة هي بالأساس نتاج لصراع على المرعى والماء وأماكن الإقامة للقبائل، لكنها تحولت منذ فترة إلى صراع مُسيس بجانب مشكلة قبول الآخر التي يرافقها عجز تنموي في الإقليم .

وأدى انتشار السلاح في دارفور إلى ارتفاع وتيرة النزاع المسلح بين القبائل، وانتشاره في مناطق كثيرة في ظل ارتباطات بين القبائل المنتشرة في أكثر من منطقة.

ولا توجد تقديرات رسمية لحجم السلاح في أيدي قبائل دارفور، فيما تفيد تقارير غير رسمية بأنها تمتلك مئات الآلاف من قطع السلاح، بينها أسلحة ثقيلة ومتوسطة.

وعرفت دارفور السلاح بشكل أكبر في حقبة الديمقراطية الأخيرة (1986-1989 ) فيما عرف آنذاك " بالنهب المسلح"

كما أسهمت الحرب التشادية في تدفق كميات هائلة من الأسلحة إلى إقليم دارفور، الذي يمتلك حدودا شاسعة ومفتوحة مع تشاد.

** أفارقة وعرب

بعد اشتعال الحرب في دارفور، عام 2003، عمد نظام البشير إلى تسليح القبائل العربية لتقاتل إلى جانبه ضد الحركات المسلحة التي كان عمادها الأساسي قبائل إفريقية.

وتبلغ مساحة دارفور 493 ألفا و180 كيلو مترا مربع، وهي مساحة مترامية ساعدت في تأجيج الصراع وانتشاره في الإقليم المثخن أصلا بجراحات النزاع القبلي بين الرعاة والمزارعين حول المرعى والأرض والمياه، قبل اندلاع حرب تمرد تحمل دوافع سياسية.

وتنقسم تركيبة دارفور السكانية إلى قبائل إفريقية وأخرى عربية، بعضها مستقر والأخرى بدو رحل يمتهنون الرعي، وهؤلاء من اتُهم نظام البشير بتدريبهم للقتال إلى جانبها ضد قبائل أخرى، ويطلق عليهم "الجنجويد" (أي "جن يركب جواد ويحمل سلاحا"، بحسب تفسيرات). بينما تمسك النظام السابق بنفي أي صلة تربطه بهؤلاء المقاتلين.

ويُتهم "الجنجويد" بأنهم لا يمثلون أي قبيلة، وأنهم أفراد غير منضبطين ينحدرون من قبائل عديدة ولا يلتزمون بقواعد العرف المحلي ويمارسون النهب المسلح.

** توزيع القبائل

في المناطق الشمالية لإقليم دارفور تتواجد أغلبية القبائل العربية، ومن أبرزها "الزيادية" و"بني فضل" و"الرزيقات" ومن فروعها "المحاميد" و"الماهرية" و"العريقات".

وكذلك تتواجد في شمال دارفور قبيلة "الفور" الإفريقية، وهي تمتهن الزراعة، وقبيلة "الزغاوة"، وهي تشتهر بالتجارة ولها امتداد وتداخل في ليبيا وتشاد، وكذلك قبيلتي "البرتي" و"البرقو".

وفي غرب دارفور تعيش قبائل إفريقية، أبرزها "المساليت"، وهم أساسا يقيمون في مدينة الجنينة، كما توجد قبائل إفريقية أخرى، مثل "التاما" و"الزغاوة"، بالإضافة إلى قبائل عربية، مثل "بني حسين" و"المراريت".

وفي جنوب دارفور تتواجد قبائل العرب، مثل "الرزيقات" و"الهبانية" و"التعايشية" و"المعاليا"، وقبائل إفريقية، مثل "الفور" و"الفلاتة" و"الزغاوة" و"المساليت" و"الداجو".

وتميل غالبية القبائل العربية إلى الرعي، فيما تمتهن معظم القبائل الإفريقية الزراعة.

ويعد التباين القبلي سببا رئيسا في الصراع على الموارد، لاسيما إن كان الرعاة من قبيلة والمزارعين من أخرى.

وفي دارفور، ينتقل رعاة الإبل في فصل الخريف، مايو/ أيار ويونيو/ حزيران، شمالا طلبا للمرعى والمياه، حيث تهطل الأمطار وتنبت الأعشاب، وعندما ينحصر الخريف، يتحرك الرعاة جنوبا، حيث تتوفر المياه والمراعي، في نوفمبر/ تشرين الثاني وديسمبر/ كانون الأول.

كما أن الحرب بين الحركات المسلحة والحكومة المركزية أدت إلى نزوح مجموعات سكانية كبيرة من مناطقها، ما جعل قبائل تتواجد في أراضي قبائل أخرى، وهذا أيضا من أسباب الصراع المستمر في الإقليم المنكوب.

ومنذ 2003، أودى النزاع المسلح في دارفور بحياة حوالي 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليونا آخرين، وفق الأمم المتحدة.

ويعد إحلال السلام والاستقرار في السودان، وخاصة دارفور، من أبرز أولويات السلطة في مرحلة انتقالية بدأت في 21 أغسطس/آب 2019، وتستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات مطلع 2024، ويتقاسم السلطة خلالها كل من الجيش وقوى مدنية والحركات الموقعة على اتفاق السلام.