حفتر يمهد لتزوير الانتخابات الليبية في الجنوب والشرق

بعد عدة ممارسات تؤشر على ذلك من بينها اعتداء أنصاره على مرشح رئاسي في الشرق، وهجوم مليشياته على محكمة في الجنوب

2021-11-30 11:33:16
Istanbul

إسطنبول/ الأناضول

قيام مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، بالهجوم على محكمة الاستئناف بمدينة سبها الليبية (جنوب)، واعتداء أنصاره على مرشح رئاسي بمدينة درنة (شرق)، يؤكد صحة تخوفات عدة أطراف سياسية من صعوبة إجراء انتخابات نزيهة في ظل أجواء التهديد والتلويح باستعمال العنف.

إذ أن سيطرة مليشيات حفتر على المنطقتين الشرقية والجنوبية من شأنه حرمان بقية المرشحين للانتخابات من خوض حملاتهم الانتخابية في إقليمي برق (شرق) وفزان (جنوب غرب)، ويبقى التنافس مفتوحا فقط في المنطقة الغربية.

ويعكس هذه الحقيقة أنه من بين 98 شخصية تقدمت بأوراق ترشحها للانتخابات الرئاسية في المرحلة الأولى 12 مرشح فقط من المنطقة الشرقية، 13 ترشحوا بالمنطقة الجنوبية، بينما حازت المنطقة الغربية على حصة الأسد من عدد الراغبين في الترشح والذين بلغوا 73 شخصا.

وتحدثت مصادر ليبية مطلعة للأناضول، عن تهديد حفتر بعرقلة عملية جمع عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب بطبرق، لـ5 آلاف توقيع بالمنطقة الشرقية اللازمة للترشح، حتى لا ينافسه على أصوات برقة، التي يهيمن عليها اللواء المتقاعد بقوة السلاح، رغم أن الرجلين متحالفان منذ 2014.

وفي درنة، التي سيطر عليها حفتر في 2018 بعد قتال عنيف ضد "مجلس شوى مجاهدي" المدينة، تعرض المرشح الرئاسي المحتمل إسماعيل الشتيوي، لمحاولة اعتداء من أنصار حفتر، الذي شتموه، وأجبروه على مغادرة المدينة.

والشتيوي، رجل أعمال ورئيس فخري لنادي أهلي طرابلس، ومنحدر من بلدة الأصابعة، بالجبل الغربي، والتي استنكر أهلها، في وقفة احتجاجية ما تعرض له ابن بلدتهم في درنة.

ويدعو هذا الوضع للتساؤل حول كيفية إدارة المرشحين الرئاسيين لحملاتهم الانتخابية في المناطق التي يسيطر عليها حفتر، دون أن يتعرضوا للمضايقات، وربما للاعتداء وحتى الاغتيال، ما يؤثر على نزاهة العملية الانتخابية.

** صراع حفتر والقذافي الابن بالجنوب

وفي إقليم فزان بالجنوب، الذي يدّعي حفتر أنه يسيطر عليه بالكامل منذ 2019، فوجئ فيها بتقديم سيف الإسلام القذافي، نجل زعيم النظام السابق، لأوراق ترشحه علنا، وبحماية أمن المدينة، وتم استلام وقبول ملفه حينها.

وكشفت هذه الحادثة أن مليشيات حفتر، لا تسيطر فعليا على سبها، عاصمة فزان، ناهيك عن بقية مدن وأرجاء الإقليم المترامي الأطراف.

إذ أن القذافي الابن دخل مقر مفوضية الانتخابات في المدينة نهارا جهارا ولم تتمكن مليشيات حفتر من توقيفه أو اعتراض طريقه.

لكنها في اليوم الموالي لتقدم القذافي الابن بأوراق ترشحه، اقتحمت مليشيا طارق بن زياد، التابعة لحفتر، مكتب مفوضية الانتخابات بسبها، ومنزل مدير أمن المدينة العميد محمد بشر لاعتقاله، بحسب وسائل إعلام محلية، أو لاغتياله على حد زعم الأخير.

ولم يكتف حفتر بذلك، بل أرسل قوة عسكرية مكونة من 150 عربة مسلحة، من الشرق إلى الجنوب الغربي، مرورا ببلدة الشويرف، الواقعة جنوبي المنطقة الغربية، ما أثار استياء "عملية بركان الغضب" التابعة للجيش الليبي، واعتبرته خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار، الموقع في 23 أكتوبر/تشرين الأول 2020.

غير أن حفتر لم يكن يريد استهداف المنطقة الغربية من الشويرف كما فعل في أبريل/نيسان 2019، بل سعى لتعزيز مواقعه في المنطقة الجنوبية، التي تعد معقل القبائل الموالية لعائلة القذافي.

بل أخطر من ذلك، نقل موقع "ليبيا أوبزرفر"، عن مصادر إعلامية محلية، اقتحام قوة كبيرة تابعة لمليشيات حفتر قاعدة تمنهنت الجوية (شمال سبها)، بشكل مفاجئ قادمة من محافظة الجفرة (وسط)، بعد أنباء عن انشقاق مبروك سحبان، قائد عمليات الجنوب عن حفتر، وانضمامه لسيف الإسلام القذافي، لكن لم يتأكد بعد صحة ذلك.

لكن المؤكد، أن "سيف الإسلام" متواجد في الجنوب، وحفتر لا يستطيع الوصول إليه، بعد أن حاول اغتياله أكثر من مرة، بحسب عدة شهادات، نظرا لأنه يشكل تهديدا على تماسك مليشياته، وتواصل الدعم الروسي له، بل يُعد أيضا منافسا قويا له في الانتخابات.

** تلويحات أممية وأمريكية بالعقوبات

لم تحرك هذه الأحداث، بما فيها اختطاف الصحفي سراج المقصبي، من مقر هيئة الصحافة في بنغازي، البعثة الأممية ولا المجتمع الدولي، لكن حدثا آخر أثار ردود فعل قوية ضد حفتر وإن لم يتم ذكره بالاسم.

ففي خطوة لمنع سيف الإسلام القذافي من الطعن على قرار مفوضية الانتخابات استبعاده من سباق الترشح للرئاسيات، طردت مجموعة مسلحة تتبع مليشيات حفتر، القضاة والموظفين من محكمة سبها وطوقتها، ما أثار غضبا داخليا وخارجيا.

إذا طالب المجلس الأعلى للقضاء "الأجهزة الأمنية كافة، وسلطات التحقيق، بملاحقة المعتدين، واتخاذ الإجراءات القانونية ضدهم وتقديمهم للمحاكمة لمعاقبتهم".

بينما كلفت حكومة الوحدة، وزارتي الداخلية والعدل "التحقيق الفوري في ملابسات الواقعة"، واتخاذ ما يلزم من إجراءات حيال المعتدين.

ولكن المشكلة أن حكومة الوحدة بأجهزتها الأمنية والقضائية لا تملك سلطة فعلية على الأرض لمعاقبة مليشيات حفتر.

وفي موقف لافت، أدانت البعثة الأممية في ليبيا بشدة "أي شكل من أشكال العنف المرتبط بالانتخابات"، دون أن تملك الجرأة لذكر حفتر ومليشياته بالاسم، واكتفت بالتذكير بـ"قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2570 (2021)، ومخرجات باريس، وآخرها البيان الرئاسي لمجلس الأمن فيما يتعلق بالمساءلة عن الأعمال التي تعرقل الانتخابات".

الولايات المتحدة وعبر سفارتها لدى طرابلس، حذرت هي الأخرى معرقلي الانتخابات، واعتبرت "الاعتداء على المنشآت القضائية أو الانتخابية أو العاملين في القضاء أو الانتخابات ليست مجرد أعمال جنائية يعاقب عليها القانون الليبي، وإنما تقوض حق الليبيين في المشاركة بالعملية السياسية".

غير أن هذه التنديدات لم تكن بالحزم الذي يمكن أن يردع مليشيات حفتر عن الضغط على المؤسسة القضائية والمرشحين والصحافيين.. لتوجيه الانتخابات بالصيغة التي توصله في النهاية إلى الرئاسة.

** "التزوير قادم"

والشواهد التي يمكن أن تمهد لتزوير الانتخابات المقبلة كثيرة، بدءا من قانون الانتخابات الرئاسية، الذي لم يصادق عليه النواب، ووُضع على مقاس حفتر ولإبعاد عبد الحميد الدبيبة.

وقانون الانتخابات البرلمانية الذي لم يحضر جلسته سوى 34 نائبا من إجمالي أكثر من 170، استبعد الأحزاب تماما من الترشح في الانتخابات ضمن قوائم.

يضاف إلى ذلك عدم التوافق على قاعدة دستورية مع المجلس الأعلى للدولة، أو على الأقل تعديل الإعلان الدستوري بشكل لا تتناقض مواده مع قوانين الانتخابات الجديدة.

كما أن اشتراط أن يكون الطعن ضد أي مرشح في مقر إقامته، يجعل من الصعب إذا لم يكن من المستحيل الطعن على ترشح حفتر في بنغازي، رغم أنه يحمل جنسية أمريكية وصدر في حقه حكم غيابي بالإعدام، من محكمة مصراتة العسكرية.

وإطلاق النار على مقر مفوضية الانتخابات في سبها، وتهديد مدير أمنها وطرد القضاة من محكمة المدينة، والتحركات العسكرية لمليشيات حفتر دون أمر من المجلس الرئاسي، بصفته القائد الأعلى للجيش.. كل هذه الشواهد تؤكد أن الانتخابات إذا جرت في موعدها من المرجح أن لا تكون نزيهة مادامت مليشيات حفتر خارج سيطرة المجلس الرئاسي والحكومة ولا تخضع لرقابة القضاء.

ففي 2014، بعد أن اقتحم مسلحو مجلس شورى ثوار بنغازي، معسكرات القوات الخاصة التابعة لحفتر في المدينة، قالوا إنهم وجدوا صناديق اقتراع داخل هذه المعسكرات، ما اعتبروه دليلا على تزوير الانتخابات البرلمانية التي جرت في نفس العام.

والسؤال الأخير ليس هل سيزور حفتر الانتخابات لصالحه؟ ولكن من له القدرة على ردع حفتر ومنعه من تزوير الانتخابات في المنطقتين الشرقية والجنوبية؟